سورة الذاريات - تفسير تفسير الثعالبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الذاريات)


        


قوله عز وجل: {والذاريات ذرواً} يعني الرياح التي تذر التراب {فالحاملات وقراً} يعني السحاب يحمل ثقلاً من الماء {فالجاريات يسراً} يعني السفن تجري في الماء جرياً سهلاً {فالمقسمات أمراً} يعني الملائكة يقسمون الأمور بين الخلق على ما أمروا به وقيل: هم أربعة: جبريل صاحب الوحي إلى الأنبياء الأمين عليه وصاحب الغلظة، وميكائيل صاحب الرزق والرحمة، وإسرافيل صاحب الصور واللوح، وعزرائيل صاحب قبض الأرواح. وقيل: هذه الأوصاف الأربعة في الرياح لأنها تنشئ السحاب وتسيره ثم تحمله وتقله ثم تجري به جرياً سهلاً ثم تقسم الأمطار بتصريف السحاب أقسم الله تعالى بهذه الأشياء لشرف ذواتها ولما فيها من الدلالة على عجيب صنعته وقدرته. والمعنى: اقسم بالذاريات بهذه الأشياء، وقيل: فيه مضمر تقديره ورب الذاريات ثم ذكر جواب القسم.


{إنما توعدون} أي من الثواب والعقاب يوم القيامة {لصادق} أي الحق {وإن الدين} أي الحساب والجزاء {لواقع} أي لكائن ثم ابتدأ قسماً آخر فقال تعالى: {والسماء ذات الحبك} قال ابن عباس: ذات الخلق الحسن المستوي، وقيل: ذات الزينة حبكت بالنجوم وقيل: ذات البنيان المتقن وقيل: ذات الطرائق كحبك الماء إذا ضربته الريح وحبك الرمل ولكنها لا ترى لبعدها من الناس وجواب القسم قوله: {إنكم} يعني يا أهل مكة {لفي قول مختلف} يعني في القرآن وفي محمد صلى الله عليه وسلم يقولون في القرآن سحر وكهانة وأساطير الأولين وفي محمد صلى الله عليه وسلم ساحر وشاعر وكاهن ومجنون وقيل: لفي قول مختلف أي مصدق ومكذب {يؤفك عنه من أفك} أي يصرف عن الإيمان به من صرف حتى يكذبه وهو من حرمه الله الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن وقيل: معناه أنهم كانوا يتلقون الرجل إذا أراد الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم فيقولون إنه ساحر وشاعر وكاهن ومجنون فيصرفونه عن الإيمان به {قتل الخراصون} أي: الكذابون هم المقتسمون الذين اقتسموا عقاب مكة واقتسموا القول في النبي صلى الله عليه وسلم ليصرفوا الناس عن الإسلام. وقيل: هم الكهنة {الذين هم في غمرة} أي في غفلة وعمى وجهالة {ساهون} أي لاهون غافلون عن أمر الآخرة والسهو الغفلة عن الشيء وذهاب القلب عنه {يسألون أيان يوم الدين} أي يقولون يا محمد متى يوم الجزاء يعني يوم القيامة تكذيباً واستهزاء قال الله تعالى: {يوم هم} أي يكون هذا الجزاء في يوم هم {على النار يفتنون} أي يدخلون ويعذبون بها وتقول لهم خزنة النار: {ذوقوا فتنتكم} أي عذابكم {هذا الذي كنتم به تستعجلون} أي في الدنيا تكذيباً به.


قوله تعالى: {إن المتقين في جنات وعيون} يعني في خلال الجنات عيون جارية {آخذين ما آتاهم} أي ما أعطاهم {ربهم} أي من الخير والكرامة {إنهم كانوا قبل ذلك محسنين} أي قبل دخولهم الجنة محسنين في الدنيا ثم وصف إحسانهم فقال تعالى: {كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون} أي كانوا ينامون قليلاً من الليل ويصلون أكثره. وقال ابن عباس: كانوا قل ليلة تمر بهم إلا صلوا فيها شيئاً إما من أولها أو من أوسطها عن أنس بن مالك في قوله: {كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون} قال: كانوا بين المغرب والعشاء أخرجه أبو داود.
وقيل: كانوا لا ينامون حتى يصلون العتمة وقيل: قل ليلة أتت عليهم هجعوها كلها، ووقف بعضهم على قوله: {كانوا قليلاً} أي من الناس ثم ابتدأ من الليل ما يهجعون أي لا ينامون بالليل البتة بل يقومون الليل كله في الصلاة والعبادة {وبالأسحار هم يستغفرون} أي ربما مدوا عبادتهم إلى وقت السحر ثم أخذوا في الاستغفار وقيل: معناه يستغفرون من تقصيرهم في العبادة وقيل: يستغفرون من ذلك القدر القليل الذي كانوا ينامونه من الليل وقيل: معناه يصلون بالأسحار لطلب المغفرة.
(ق) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له» ولمسلم قال: «فيقول أنا الملك أنا الملك» وذكر الحديث وفيه «حتى يضيء الفجر» وزاد في رواية «من يقرض غير عديم ولا ظلوم».
فصل:
هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيه مذهبان معروفان:
أحدهما: وهو مذهب السلف وغيرهم أنه يمر كما جاء من غير تأويل ولا تعطيل ويترك الكلام فيه وفي أمثاله مع الإيمان به وتنزيه الرب تبارك وتعالى عن صفات الأجسام.
المذهب الثاني: وهو قول جماعة من المتكلمين وغيرهم أن الصعود والنزول من صفات الأجسام والله تعالى يتقدس عن ذلك. فعلى هذا يكون معناه نزول الرحمة والألطاف الإلهية وقربها من عباده والإقبال على الداعين بالإجابة واللطف. وتخصيصه بالثلث الأخير من الليلا لأن ذلك وقت التهجد والدعاء وغفلة أكثر الناس عن التعرض لنفحات رحمة الله تعالى وفي ذلك الوقت تكون النية خالصة والرغبة إلى الله تعالى متوفرة فهو مظنة لقبول الإجابة والله تعالى أعلم.
(ق) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال: اللهم لك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ولقاؤك الحق وقولك الحق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت».

1 | 2 | 3